مصطلح الأُمَّة.
"الأَمُّ"
في اللسان العربي المبين: مداره على القصد، وجاء في لسان العرب: وأصل هذا الباب
كله من القصد. يقال: أممتُ إليه إذا قصدته؛ فمعنى "الأُمة" في
الدين، أن مقصدهم مقصد واحد، ومعنى "الإِمَّة" في النعمة، إنما
هو الشيء الذي يقصده الخلق ويطلبونه، ومعنى "الأُمة" في الرجل
المنفرد الذي لا نظير له أن قصده منفرد من قصد سائر الناس. ومعنى الأمة
القائمة، سائر مقصد الجسد، وليس يخرج شيء عن هذا الباب عن معنى أممت : قصدت[1].
وعند
تحليل هذا الأصل اللغوي، وإرجاعه إلى مكوناته الدلالية، يُرى أن مدار الأمة
في لسان العرب على: الجمع الموَحَّد، كما قال الراغب: الأمة هي: كل جماعة يجمعهم
أمر ما؛ إما دين واحد، أو زمان، واحد، أو مكان واحد... سواء كان ذلك الأمر
الجامع تسخيرا أو اختيارا[2]؛
فإنه يتبين لنا أن كبرى العناصر المكونة لـــمركَّب الأمة ثلاثة: عنصر
الجمع، وعنصر الوحدة، وعنصر القصد، ويكمن سر تفاعل هذه العناصر الكبرى في طبيعة
الأمر الجامع بتعبير الراغب.
وعلى هذا
فمناط وجود الأمة هو الأمر الجامع؛ تسخيرا أو اختيارا، فإذا وجد وجدت، وإذا غاب
غابت.
ثانيا: مصطلح الأمة في القاموس القرآني:
وأما
مصطلح الأمة فقد ورد في القرآن الكريم بمعانيها المتعددة، واستعملت بصيغة الأفراد
إحدى وخمسين مرة، وبصيغة الجمع ثلاث عشرة مرة[3].وسيعنينا
في هذا الإحصاء أمران:
الأمر الأول، هو: أن مسمى الأمة والمكونين لها تحدده الآيات الآتية: ﭽ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭼ[4]ﭽ ﮖﮗﮙﮚﮛﮜﮝ \ﮞ ﮟ ﮠﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥﭼ[5]، ﭽ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ[6] .
ويستفاد من هذه الآيات، أن جميع العناصر المكونة لمركب
الأمة موجودة في المخاطبين بهذه الآيات؛ فهم جماعة، موحدون، رساليون، قاصدون، إنهم
أمة واحدة من دون الناس، أمة أخرجت للناس لتكون شهداء على الناس، ولتخرجوا كل
الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد...
هكذا جعلهم الله تعالى ليكونوا الأمة، وهكذا في
واقع التاريخ، وزمن الخطاب يمثلون الأمة، وهكذا ينبغي أن يكونوا في أي تاريخ، وفي
أي زمن؛ ليصدق عليهم لفظ الأمة[7].
إن الجامع المشترك للمكونين للأمة هو: الإسلام، فالخطاب
في «جعلناكم»، و«منكم»، و«كنتم»، ليس إلا للمسلمين، فتشمل
الدلالة، بذلك، جميعَ المسلمين على امتداد التاريخ، منذ البعثة إلى نهاية التكليف.
فرسالة الأمة، ووظيفتها، وموقعها، هو الشهادة على الناس، وهو جعلٌ مِن
الله، ولا شهادة بغير أهلية الشهادة، ولو كانت في الأمور الصغيرة، فكيف
بالشهادة على الناس كل الناس؟
وشروط أهلية الشهادة، حسب تحديد الآيات، هي: أن تكون أمة.
ولا أمة بغير وحدة ما يُؤَمُّ "القصد". وأن تكونوا وسطيا.
ولا وسطية بغير خِيرة، ولا خيرة بغير قوة وأمانة، وتوسد الأمانة
للأقوياء لا للضعفاء. ومع ذلك، لا يكفي في أداء الشهادة شرطا الأمة والوسط، فلا بد
من الشهود الحضاري لأداء الشهادة؛ «فحين تكون الشهادة بالخِيرة، ومن أمة لا
من أفراد، وعلى الناس جميعا لا على بعضهم، فإن الشهود والحضور لا بد أن يكون حضاريا؛
أي حضورا بالإمامة في كل المجالات، وعلى كل المستويات، وفي كل الأوقات»[8].
الأمر
الثاني، هو: أن اسم الأمة الصحيح والمكونين لها هو الأمة
المسلمة لا الأمة الإسلامية[9]،
ولا غير ذلك مما أبعد. وفي التعبير القرآني بــــ"أمة مسلمة لك"،
فيه من تمثيل الاسم للمسمى، ومطابقة المصطلح للمفهوم، إذ شتان في الصلة بالإسلام
بين أمة مسلمة وأمة إسلامية؛ شتان بين أمة تتصف بالإسلام وتمارس الإسلام
وخلقُها الإسلام، وبين أمة تنسب إلى الإسلام وتحسب على الإسلام وتضاف إلى الإسلام.
وإن اسم المكونين للأمة الصحيح هو المسلمون لا الإسلاميون،
انسجاما مع اسم الأمة التي هم لها مكوِّنون وبها كائنون. وشتان في المصطلح
والمفهوم بين المسلمين والإسلاميين، وشتان في الأصالة والرسوخ بين لفظ محدث
يكاد يتبرأ منه الوحي لما نسب إليه من العنف، والوحشية والحرفية...، ولفظ عتيق
مختار منصوص عليه ضارب في أعماق الوحي [10].
فقدم الاسمين وتعاقبهما في دعوة سيدنا إبراهيم- عليه السلام- يدل على قدم المُسميين
وتعاقبهما في تاريخ الإسلام منذ انطلاقه مع دعوات الأنبياء والمرسلين عليه صلوات
ربهم الكريم.
وعلى الجملة، يُرى أن الأمة المقصودة في الاستعمال
القرآني، هي الأمة المسلمة، بما تتضمنه من خصوصية في المكونات، وما تستلزمه
من خصوصية في "الأمر الجامع" لها، الذي هو الإسلامي من وحدات؛ من
وحدة الإله، إلى وحدة الكتاب (القرآن)، إلى وحدة الإمام (النبي محمد صلى الله عليه
وسلم)، بغض النظر عما آلت إليه اليوم في تمثلها للإسلام وتمثيلها.
وعليه يتوجب علينا إعادة النظر في مصطلح الأمة الإسلامية،
أو الحركة الإسلامية، أو...أو...، هذا المصطلح السائد في الأدبيات المعاصرة، وإن
كان مصطلحا، من حيث الاستعمال، مصطلحا صحيحا غير أن المصطلح المختار في الاستعمال
القرآني هو مصطلح الأمة المسلمة.
(تابع)
بقلم/ شيخ انجاي.
[3] - ينظر: محمد بسام
رشدي الزين، المعجم المفهرس لمعاني القرآن
الكريم، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ط: 11، س: 1995م، ج: 1، ص: 150.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق