النبي المصطفى، صلى الله عليه وسلم،
هو الشعار الأكبر، والرمز الأعظم، والقدوة الأحسن، والشخصية التي لم يعرف تاريخ
البشرية من يُدانيها في رفعة المقام، وكمال الخَلق والخُلق...، وهو الذي أخرج
البشرية قاطبةً من دهاليز ظلام الجهل، والوحشية، والبربرية... إلى نور الحضارة
التي، قوامها ومحركها الأساسي، هو القرآن الكريم، وهو المعلم الأكبر للبشرية
جمعاء. وكلنا فداءٌ له، صلى الله عليه وسلم، ومن واجباتنا، أمام التاريخ والإنسانية
كلها، أن ندافع عنه بكل ما أوتينا من العلم والوسائل والآليات، عن كل ما لا يتوافق
ومقامه الأعظم والمقدس، وإن لم ندافع عنه، صلى الله عليه وسلم، سيدافع عنه ربُّه
العلي الذي اصطفاه، وجعله خير العالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وجعل شريعته
رحمة كلها، وعدل كلها، ومصلحة كلها، وتسامح كلها....
وقد عُرف في تاريخ الصّراعات، التي
دارت بين الشرق والغرب عموما، وبين الإسلام والغرب خصوصا، منذ الانطلاقة المبكرة،
سلسلة من الاعتداءات على مقدساتنا الدينية، وعلى رأسها شخصية النبي المصطفى، صلى
الله عليه وسلم، والقرآن الكريم، والقيم الإسلامية السامية، مثل منع الحجاب، وبناء
المساجد ورفع المنارات في ربوع عالم الغرب العالماني. ولم يكن المسلمون تجاه تلك الاعتداءات
مكتوفي الأيادي، بل بذلوا كل ما في وسعهم لنصرة الإسلام، وإحياء معالمه، وسننه، في
ظلال الدول الغربية العالمانية المعاصرة.
فالغرب الكنسي العالماني، قد تعوَّد
اتخاذ مبررات أوهى من خيوط العنكبوت للهجوم على الدول الإسلامية، مثل ما سبق أن
رأينا في حادثة 11 سبتمبر في مستهل القرن الواحد والعشرين، الذي كنا نحسبه الألفية السلامية للعالم
أجمع. وهي حادثة، عندي، مؤامرة كان قد دبِّرت في الليل للقضاء على العراق
وأفغانستان...، وإعادة رسم خارطة ما يسمى بالشرق الأوسط لصالح اليهود، والماسونية،
وعبدة الشيطان.
وما حدث في بداية هذه السنة (2015م) في
دولة فرنسا العالمانية الملحدة، رغم احترامي لرأي الآخرين، ليس عندي إلا مسرحية
ومؤامرة من جديد ضد الإسلام والمسلمين، لنهب ثرواتهم، وغزو عقولهم، ومحو هوياتهم
الإسلامية الأصيلة...، مسرحية مزركشة
بألوان من الرسومات، والرموز الغامضة، التي لم يفهمها الكثير من المسلمين، وهي
انطلاقة جديدة لسلسلة من صراعات الغرب مع الشرق (الإسلام).
شخصيًّا لا أتصور أن دولةً مثل فرنسا
التي أعلنت في غير ما مرةٍ، الحربَ ضد الإسلام وقيمه العالية، أن تتغافل حتى يحدث
مثل ما حدث في أعماق قلب باريس، رغم ما للدولة الفرنسية من المعدات الأمنية
المتطورة، وفرق التدخل السريع، والمراقبة المستمرة ... إنّ هذه الحادثة لهي مسرحية
ما بعدها مسرحية.
وكانت حادثة 11 سبتمبر ذريعة للحرب
على أفغانستان والعراق، وهي حرب إمبريالية تمخضت عنها خسائر بشرية ومادية، و ويلات
وبلايا جمَّة للمسلمين.
ومع هذه المسرحيات التاريخية السخيفة،
التي شاهدناها لم نستعمل المنطق بل كان السائد في ردود الأفعال العاطفةُ
واللامعقول والتحجر والعودة إلى الزمان السلفي المثالي.
وبعد انتهاء هذه الحلقة من مسرحيات
الغرب الملحد، سنكابد نتائج المؤامرة التي دبرها الغرب الملحد في ليلة البارحة،
مؤامرة قد شارك فيها جل رؤسائنا الجبناء السخفاء، سرا وعلانية. كما شاركوا من قبل
في مؤامرة حادثة 11 سبتمبر، وفي مؤامرة الثورات... فالسؤال الذي يطرح نفسه، هو: ما
هي الدولة المقصودة بهذه المؤامرة ؟ أو ما الذي سيترتب على هذه الحادثة من
القرارات الدولية ضد الإسلام والمسلمين في الغرب عموما؟ وفي فرنسا خصوصا؟ هل نحن
المسلمين مستعدون لخوض معركة أخرى ضد الغرب؟
آن الأوان لنفُكَّ رموز هذه المشاهد
المسرحية، ونتكاتف لمواجهة الامبريالية الغربية، والمؤامرات الدولية ضد الشعوب والدول
المسلمة ... وأحسب أنّه من أكبر وسائل الدفاع عن النبي، صلى الله عليه وسلم، الدفاع
عن أمته المضطهدة من الظلم، والغصب، والنهب، والقتل، والتشريد، والتضليل،
والتدجيل، والتشويه، والتزييف... فالدفاع عن الأمة هو الدفاع عن النبي، صلى الله
عليه وسلم، وبدون الأمة لا نبي، وبدون الأمة لا قرآن. فالأمة منذ أمد مبكر تكابد
ثلاثية الفقر، والمرض، والجهل، وقد تداعت عليها الأمم، وشرد أبناؤها في عقر
ديارهم، فأصبحوا شعبا مشردًا، يملك الأرض ولكن لا استقرار له.
حان الزمان لنعيد النظر كرةً على
التجربة النبوية الأنموذجية، التي أقامت دولة إنسانية شاملة، على ربوع شبه الجزيرة
العربية، أيام كان الغرب في قمة وحشيته المطبقة. الأمة
اليوم في أمس الحاجة إلى توحيد مقالاتها، وجمع فرقها، وإجماع الأمة بمختلف فرقها،
ومذاهبها، لننبذ، من وراء البحار، مقولات الفَرق بين الفرق، ومقالات الإسلاميين
واختلاف المصلين، وإجماع أهل المدينة، وأهل العترة.
فلندافع الأمةَ عن كل ألوان التشتت،
والتفرق، والتشرذم، والجهل، والتدجيل، وغسيل الدماغ، لصالح أيديولوجيات معينة،
وصراعات عقائدية، كان العامل السياسي وراء نشوبها في الساحة الفكرية. كنا نعتقد أن
الغزو الفكري، وغسيل الدماغ، دائما، من صنيع الغرب، في حين بدا لنا يقينا، أننا
نمارس العملية نفسها، ونغسل دماغ أبنائنا المسلمين، أملنا في الغد، ونحجبهم عن
الحقائق، ونضيق أفقهم الفكرية، ونحرِّم عليهم علوما معينة، ونفرض عليهم علوما أخرى،
قد أجرى عليها الدهر ذيول العفا فانطمست رسومها، وهي علوم لا تزيد على الطالب إلا
توغلا في المثالية، وسعيًا وراء الزمان السلفي، وتشددا في الحرفية، وبُعدا عن
الواقع المعاش، الذي يتطلب فقها جديدا، يمكن تسميته بـــفقه الحضارة، أو فقه
المبادرة، أو فقه النهضة الحضارية المنشودة.
دمتم في عون الله وسابغ كلاءته
شيخ انجاي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق