مرحبا بك في موقع صحافة بلا حدود
يومك.....يومك
إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وقتك الذي تعيشه هو وقتك، فلا الأمس الذي ذهب بخيره وشره، ولا الغد المجهول الذي لم تعشه بعد، الوقت الذي أظلتك شمسه، وأدركك نهاره هو يومك فحسب، عمرك يوم واحد، فاجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه، حينها لا تتغير حياتك بين هاجس الماضي وهمّه وغمّه، وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب، لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدّك وجدّك، فلهذا اليوم لابد أن تقدم صلاة خاشعة، وتلاوة بتدبر، واطلاعا بتأمل، وذكرا بحضور، واتزانا في الأمور، وحسنا في الخلق، ورضا بالمقسوم، واهتماما بالمظهر، واعتناء بالجسم، ونفعا للآخرين.
بين ساعاته ودقائقه وثوانيه..
هذا اليوم الذي أنت فيه قسم ساعاته ودقائقه وثوانيه، واجعل ساعاته سنوات، ودقائقه شهور، وثوانيه أسابيع، واجعل من لحظاته أياما، وفي كل ذلك ازرع الخير، واعمل الجميل، واستغفر من الذنب، تذكر الرب، وتهيأ للرحيل. إذا كنت كذلك فإنك تعيش يومك فرحا سرورا، في أمن وسكينة، راضيا برزقك، وعلمك، ومستواك متأملا قوله تعالى: "فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين" وبهذا تعيش يومك بلا حزن ولا انزعاج، ولا سخط ولا حقد، ولا حسد.
إذا ما أكلت خبزا حارا شهيا هذا اليوم فهل يضرك خبز الأمس الجاف؟ إن عليك أن تكتب على لوح قلبك عبارة واحدة تجعلها أيضا على مكتبك تقول: ( يومك.......يومك ).
وإذا شربت ماء عذبا زلالا هذا اليوم، فلماذا تحزن من ماء أمس الملح الأجاج، أو تهتم لماء غد الآسن الحار؟.
إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولاذية صارمة عارمة لأخضعتها لنظرية: "لن أعيش إلاّ لهذا اليوم"!!. وحينها تستغل كل لحظة من هذا اليوم في بناء كيانك، وتنمية مواهبك، وتزكية عملك، ولقلت:
لليوم فقط أهذب ألفاظي فلا أنطق هجرا أو فحشا، أو سبّابا، أو غيبة، لليوم فقط سأرتب بيتي ومكتبي، فلا ارتباك ولا بعثرة، وإنما نظام ورقابة، لليوم فقط أعيش وأعتني بنظافة جسمي، وتحسين مظهري، والاهتمام بهندامي، والاتزان في مشيتي وكلامي وحركاتي.
لليوم فقط أعيش فأجتهد في طاعة ربّي، وتأدية صلاتي على أكمل وجه، والتزود بالنوافل، وتعاهد مصحف، والنظر في كتبي.
لليوم فقط أعيش فأنفع الآخرين، وأسدي الجميل إلى الغير، أعود مريضا، أدلّ حيرانا، أطعم جائعا، أفرج عن مكروب، أقف مع مظلوم، أشفع للضعيف، أواسي المنكوب، أكرم العالم، أرحم الصغير، أجلّ الكبير.
لليوم فقط أعيش، فيا ماضيا اذهب وانتهى واغرب كشمسك، فلن أبكي عليك، ولن تراني أقف لأتذكرك لحظة؛ لأنك تركتنا وهجرتنا وارتحلت عنّا ولن تعود إلينا أبد الآبدين.
ويا مستقبلا أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع الأحلام، ولن أبيع نفسي للأوهام، ولن أتعجل ميلادا مفقودا، لأن يوم غد في الحقيقة هو لاشيء، لأنه لم يخلق ولم يكن شيئا مذكورا.
يومك يومك أيها الإنسان، هذه أروع عبارة وأوضح كلمة في قاموس السعادة لمن أراد أن يعيش الحياة في أبهى صورها وأجمل حللها.