مرحبا بك في موقع صحافة بلا حدود

نسعى إلى الأهداف السّامية

نور الفتحية عفيفة

    القصّة التي سأحكي لكم عن جو العمل في إحدى شركات في مكان ما. تلك الشركة قوية جدا، اسمها منتشر في العالم  لرصانة صناعتها، وكلّ سنة تربح الشركة ربحاً كبيرا جداً إلى درجة لا يمكن أن تسبقها بقية الشركات. هذه الشركة ناجحة فعلاً منذ سبعين سنة  ومن الدوافع الرئيسيّة التي تؤدي إلى تفوّق هذه الشركة أنّ مديرها مهتم بكل حاجات عمّالها؛ ولأجل ذلك كلهم يحبّه.

        كل يوم، قبل أن يبدأ العمّال أعمالهم، المدير لا ينسى أن يقدّم لهم النصائح وكلمات التشجيع كي لا ينتابهم الكسل والضعف ، - أيضا- يذكّرهم مراراً بأهداف الشركة التي يسعون كلهم إلى تحقيقها. ومن كلام المدير المحفوظ في أذهان العمّال هو: " كلّنا مسؤول  عن  رعيّته، وهذه الشركة هي أمانتنا معاً، كلنا نشتغل بقدر إمكاننا وبكل جهودنا لنصل إلى الغاية، وجميعنا يفعل ما ينبغي أن يفعل ولا يتدخّل في أعمال غيره؛ المدير يتصرّف كما ينبغي أن يتصرّف والسكرتير يعمل ما يجب عليه أن يعمل وكذلك العمّال الآخرين من كل الجوانب صغيرهم وكبيرهم، يعمل بالتقوى وبالسعة لنيل مرضاة الله".
        يوم من الأيّام، يفترض المدير أن يحضر في الاجتماع مع إحدى شركات  اليابان في مكتبه ولكن، فوجئ المدير بمكالمة هاتفيّة صباحاً مبكّراً  عن وفاة سائقه. وبحسن تصّرفه كمدير للشركة، لا جرم أنّه سيسوق السيارة بنفسه و سيتّجه إلى المأتم للتعزية. و ذاك الطوارئ  تؤخّره في الموعد. فلمّا وصل المدير إلى الشركة، انتهى الاجتماع ورأى من خلال نافذة مكتبه أنّ غرفة اجتماعيّة خالية من طائفة اليابان التي كانت تنتظره. وشعر المدير بالندم والحزن.
قال المدير لنفسه بصوت منخفض: " خسرت الشركة اليوم خسارة كبيرة جدا بسبب تأخّري. كان ينبغي ألا أعتمد على أيّ أحد."
وقال السكرتير بجانبه: " لا تندم يا مديرنا. شركتنا تربح فعلاً  80 مليون دولار!".
يستغرب المدير قائلا متعجّبا:" ماذا قلتَ؟ كيف؟! لا أفهم!"
وجاء واحد من عمّاله قائلا له: " سامحني يا سيدي المدير. أنا مجرّد عاملك الذي يرفع القمامة في مكتبك يوميا، ولكني دائما أتابع الأنباء من التلفاز والجرائد عن نجاح هذه الشركة. لقد علمتُ أنّ هناك اجتماعا بين هذه الشركة وشركة اليابان. و أن تأخرك سيؤدي إلى خسارة هذه الشركة في حينٍ لا أريد أن يحدث ذلك؛ فلذلك جئتُ إلى السكرتيرا في مكتبك وقلتُ لها أني سآخذ مكانك اليوم وتمثلت كمدير لهذه الشركة حتى لا نخسر. ومن فضل ربي، كنت أدرس في اليابان لمدة 4 سنوات وعندي مهارة في الحديث باللغة اليابانية، ولكنّ ظروف الحياة هي التي تجبرني أن آخذ العمل كرافع القمامة يوميا بسبب التنافس الشديد في مجالات كثيرة في بلادنا ولا أظن هذا العمل – رفع القمامة- حرام وهذا العمل أيضا ليس مانعا لي أن  لأكون نيابة عنك اليوم.
ففهم المدير وابتسم ثمّ قال لذاك العامل: " الله يجزيك بما فعلتَ واليوم أدرك و أتعلّم شيئا واحدا وهو كلنا عندنا هدف لنتوصل إليه ولكن طريقتنا مختلفة. "


       

من نحن؟ مشروع أم فلسفة؟!!


الحق.. الجمال.. والفضيلة..؛ إنها المبادئ العامة التي قامت عليها الفلسفة منذ أمدها البعيد وأحقابها الموقلة في القدم، ولا زالت تلك المبادئ نفسها تشغل هذا الميدان وتوجّه أبحاثه، من رؤية إلى أخرى، وفي لف ودوران، وتحديث وتجديد، وتفكيك وتركيب، وحداثة وما بعدها.

       وقد كان العقل هو الأساس الموجه لهذه القيم يفلق نواتها، ويوسع أطرافها، والبحر الذي يحمل سفنها، والرياح التي تُسيّر سحبها، فتُنزل للناس غيثا نافعا أحيانا، أو تتحفهم بطل من الندى حينا آخر... فتصير الأرض مخضرة خصبة، تدب فيها الحياة، وتزدهر بها المروج والأفنية متوجّة ورودا وأزهارا.. تفوح بها الحدائق أريجا، يتناثر عبق نسيمها رَوحا ورَياحِينا، فتغرد معه العصافير أنغاما صافية.. فتطرب لها الفراشات مُتمايلة، وتنشط النحل، فتدشن شمعا محشوا بشراب مختلف ألوانه، فيه شفاء للناس، يشحن الطاقات، ويدب في سواكن الجمود الحياة، والحركة والتفاعل....
هكذا هي، (بلا حدود).. في هذا المنحى، وعلى هذا الدرب، وعبر سلاسَة الوديان، ماؤها غير آسن، يمكث في الأرض لينفع الناس، ويعطي الإنسان القدرة على التوقل في منطق القيم، بتناسُب المفردات عند حمل بعضها على بعض؛ فتكون مطابقة للواقع أو تتجاوز حَدّه. ( المعرفة: مجاز وحقيقة)
وإذا كانت بعض المفردات لا تطابق الواقع؛ فإنّها من حدائق الجمال.. بُغية إثراء الأوعية التي لها قابلية لاستيعاب القدر الممكن من الفيض الدفّاق المثقِّف والمُقوِّم ليمشي الكائن مستقيما على وجهه. (الوعي والثقافة)
 أمّا الفضيلة، فنشرها هو المبتغى، وشَمُّ رياحينها من المرتجى. إعمارًا للكون، بما فيه من حرث ونسل.. ومن هنا، اللوازم الدلالية على تفاعل هذه القيم في هذا العمل؛ أن تكون منطقية، تنشر الفضيلة، وتراعي الجمال= الإنسان السوي المستقيم..
بودّنا أن نشرك الجميع، ولكن بقدر وعائك تَغْرِف.. وبحسب الرغبة والميل والهواية، فإذا كانت التغذية المعرفية التي توزع عبر هذا المنبر مفيدة أو نافعة، فإنّها وفق مبدأ ( إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شُكورا.)

بقلم: إبراهيم محمد محمد

* الذكريات الخالدة، عن الأيامات الخالية، بين أهالي الزاوية *

  مقدّمة: 
من فضل الله على المسلمين أن جعل الأخوة الدينية بينهم من أكبر وسائل التّحابب والتّراحم، والشّعور بآلام الآخرين، والسعي الجاد ليشمل الخير والنفع أفراد المجتمع، والذي يتمثّل جليّا في قول المصطفى ":eمثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر" ((حديث شريف)).

رحلة طارئة: مساء يوم، ونحن في تساؤلاتنا المتحيّرة، ماذا يكون مصيرنا وسط هذه العاصفة من المخاوف؟ بين أصوات البنادق المرهبة، ونشرات الإعلام المفزعة؟ ستستمرّ الكلّية فننتظر؟ أم لا يرتجى ذلك فنرتحل؟ و؟ و؟ و؟...   وبينما نحن كذلك، إذ لاح في الأفق بشرى رحلة إلى مهبط الكرماء، ومنزل الصلحاء، وما أدراك ما هو؟  ذاك"الزاوية".
فشددنا الرّحيل للترحال، واستصحبنا الزّاد والمزيد، وودّعنا مباني الكلّية وساكنيها، ولسان حالنا يقول: كما قال e حين مغادرته لمكة: مكة أنت أحب بلدة إليّ ولولا أنّ قومي أجبروني على الخروج ما خرجت" ونردّد قوله ـ تعالى ـ }إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد{ ونحن نأمل في الإياب بعد الذهاب.
مدينة "الزاوية": وما أدراك ما هيه؟ لما سارت بركابنا الحافلات، واستأنسنا خلاله بالتّمنّيات، واستمتعنا بالمناظر الطبيعيات، انتهى بنا المطاف إلى دار الكرامات، مدينة "الزاوية"، حدّث عن كرم أهلها بلا حرج، لعمرك نعم المضيف أهلها، والمستضاف مدينتها. فحططنا بها رحيلنا، فأنسونا ـ بحن معاملتهم ـ عناء ما تحمّلنا.                                قوم صدق فيهم قول الشاعر:
قَوْمٌ عَزِيزٌ جَارُهُمْ لَكِنَّهُ *** يَسْلُو بِهِمْ عَنْ وَالِدَيْنِ وَمَوْلِدِ.
ضيافتنا في "الزاوية": نزلنا ضيوفا في "الزاوية" في ثلاثة مواقع، لا تقلّ المسافة فيما بينها عن مسير ساعة للمترجّل. وهي: مسجد" أبو السباع". مسجد" سيّدي قاسم". بيت الشباب. تلكم أماكن مسجّلة أيّامها بماء الذّهب في سجلّ ذكرياتنا، وألواح أذهاننا.
رحلة تذكارية إلى مدينة" صبراتة": أقمنا في أهل "الزاوية" من الزمان أمدا، يسود الجوّ خالص الأخوّة، والمحبّة المتبادلة، فلمّا آنسوا منّا ـ لطول المقام ـ مللا، أسرّوا بينهم النّجوى، ولم يبدوا لنا قولا.
وفي ذات ليلة بعد صلاة العِشَاءِ، ونحن نتابع ـ بِنَهَمٍ ـ لُقْمَاتِ العَشَاءِ، في مبنى بجوار مسجد " سيّدي قاسم" إن شئت سميته " مسجد قباء" بدون إِخْطَاءٍ. نادى فينا مناد أن اسمعوا وأصغوا: ترحلون صباح غد ـ بمشيئة الله ـ في رحلة إلى مدينة "صبراتة: فاصفرّت الوجوه من الفرح، واستطلنا الفترة بين العشاء والصبح.

مدينة "صبراتة": بعدما أدبر الليل مودّعا، وأقبل النّهار لأبوابنا قارعا، شددنا  ـ في طرب ـ للرّحيل للمسير، وانتهى بنا التّجوال إلى "صبراتة". تلك المدينة التاريخية العتيقة، مدينة بناها الرّومان بثلاثة قرون قبل الميلاد، بشهادة رجال من أهلها، }ولا ينبئك مثل خبير{. مدينة ذات مباني عالية، ومناظر رائعة، حدّث عن كرم أهلها ولا حرج، نعم المضيفون أهلُها، والمستضاف مدينتُها. فأكثرنا من الاستمتاع بالسياحة والسباحة، وتبادلنا المعارف في ثقافةٍ ليس فيها سخافةٌ. وقضينا النّهار في بحبوحةٍ وسلامةٍ. ولمّا كانت كلّ لذّةٍ مسيرها النّهاية، نادى فينا مساءً منادٍ: أن جهزوا أنفسكم للمغادرة. فودّعنا المدينة وأهاليها، بعد ما أقرنا لهم بحسن الجوار، وكرم الضيافة.
العودة إلى الكلّية الحبيبة: بعدما قضينا شهرا إلّا قليلا، ونحن في العزلة، وقد تطلّعت النفوس إلى العودة. صادف هدوء عواصف النزاعات، وسيادة جوّ الاطمئنان والقرار، جعل الله لنا بعد العسر يسرًا، وبعد تحمّل المشقّات فَرَجًا، أتانا نبأ العودة إلى الكلّية، فاستقبلناه بصدور رحبة، بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منّا، وييأس من العودة.        
هذه خلاصة بقايا ذكرياتي لمقامنا في "الزاوية".                                                        
فإن كانت ثمّة عبرة تستنبط منها: فهي أنّ بعد العسر يجلب اليسر،} فإنّ مع العسر يسرا{.  وأنّ الأخوّة الإسلامية عزّ نظيرها. أخوة أساسها التّعاون والتّحابب في الله، لا لمنافع الدنيا الفانية.


الكاتب / كونى آدم في الدراسات العليا(المرحلة التّمهيدية)