مرحبا بك في موقع صحافة بلا حدود

البطولة في ميزان الإسلام.


إن غياب بعد النظر ودقة تحيد المصطلحات والمفاهيم لدى الفئة النخبوية، أفرزت مشاكل فكرية كان لها أثرها الخطير في الواقع العملي، ولما كان السلوك انعكاسا للتصور، حيث يصح بصحته، وينحرف بانحرافه، كان لا بد من تأسيس قاعدة مفاهيمية صحيحة تقوم عليها الممارسة والعمل.

إن هناك كلمة شاعت بين الألسن يرددها الناس على من أعجبوا به، وفي التحقيق ندرك أنها كلمة مظلومة ألبست بغير لباسها، إنها "البطولة" و"البطل" فيا ترى ما مفهوم هذه الكلمة؟ وما هو التصور الصحيح الذي رسمه الإسلام لها؟؟؟
في إطلالة تاريخية نرى أن البطولة سادت مفهومها في مجتمعات مثل الرومان واليونان على ذلكم الأناس الذين حققوا انتصارات في الحروب مع أعدائهم، واعتبروا ذلك أسمى سمات البطولة ، فأغفلوا- بتصورهم- عنصرا أهم من ذلك كله، وهو العنصر الأخلاقي، الذي يُقَوِّم البطولة ويُضْفِي عليها الوسمة الإنسانية، ولقد أدى غياب هذا العنصر الجوهري إلى استفحال الفوضى الممارساتية  عند من يوصفون بالبطولة " في المفهوم الغربي" سواء كان ذلك في الحروب بحيث يصبح هدفهم إبادة الخصم من الوجود بأبشع أشكالها. ولا غرو أن طبعت نفوسهم على ذلك الحس الافتراسي ، ذلك أن تربيتهم كانت مركوزة على التكوين الجسمي بعيدا عن التكوين الخلقي وتشعباته، كحال من يُسَمَّوْن ب" الغلاجاتور".
إنّ هذا التصور الخاطئ لمفهوم البطولة أدّى بهم إلى أن يعيشون في إطار مفهوم الوثنية القائمة على عبادة البطولة ورفع الفرد إلى مصاف الآلهة وأنصاف الآلهة، ويجسدون البطولة في تماثيل.
بينما الإسلام يرى البطولة على تقدير الأثر النبيل الذي تُحدثه التربية والعقيدة في توجيه الإنسان وتحويله من حال إلى حال ،كما صنعت العقيدة الإسلامية شخصيات وأعادت صياغتها من جديد في ضوء التوحيد وأخرجتها من شخصيتها القديمة، وأنّ أي مقارنة بين حياة "عمر" قبل الإسلام وبعده تكشف عن ذلك بوضوح، ومهما وصف بطل في الإسلام، فهو إنما يحمل في نفسه قصر العظمة والعبودية كلها لله سبحانه وتعالى.
وأنّ الإسلام لا يؤمن بتجسيد البطولة في تماثيل بقدر ما يركز مفهوم تقديرها في توجيه العمل البطولي نفسه خالصاً لله.
إن  التاريخ  يحدثنا عن بطل مسلم - ربما لا يعرفه كثير منا- إنّه " القائد الفذ ألب أرسلان " الذي استطاع ب15000جندي  لبسوا أكفان الموتى يرددون " الله أكبر" " الله أكبر" ينتظرون الموت في سبيل الله- أن يهزم جيشا ب200000 جنديا، يقودهم "رومانوس" إمبراطور الدولة البيزنطية- وكان هدفه القضاء على الإسلام والمسلمين، فهزم جنودُ الله جنودَ الشيطان، فلما وضعت الحرب أوزارها وقُيّد " رومانوس" بالسلاسل قال له "ألب أرسلان" ما تظن أني فاعل بك؟ قال رومانوس: إن شئت فاقتلني، وإن شئت جرني بالسلاسل، وإن شئت تقبل فديتي وتعفو عني. وأطرق القائد المسلم قليلاً ثم قال: يا رومانوس، أتعاهدني إن عفوت عنك ألا تقاتل بعد اليوم مسلماً أبداً؟ قال رومانوس وقد دمعت عيناه بعد أن أدرك أنه نجا من موت محقق: لك عهدي يا قائد المسلمين، وقام ألب أرسلان ففك قيود أسيره بيديه، وقال له: ستوصلك جنودي إلى مأمنك يا رومانوس، ولقد أمرت لك بخمسة عشر ألف دينار تستعين بها على وصولك.
وهكذا نرى البطولة والانتصار يخدمان قضية الإسلام وهدف الدعوة إليه.
        إن على المسلم أمام التيارات الوافدة والأنظمة المستوردة أن يكون يَقِظا في التعامل معها، وليجعل التصور الإسلامي مقياس التقييم لها قبولا أو رفضا.


الحسين كان الفوتي /باحث في شعبة الدعوة والحضارة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق