مرحبا بك في موقع صحافة بلا حدود

المستعربُ بين مشكلاتِ الصُّنعةِ وَإشكاليَّاتِ التَّصنيعِ


إذا كانت حياة الإنسان - بصفة عامة - مَكْسوَّةً بعديدٍ من النكبات، ومصحوبةً بكثيرٍ من
العقبات، منذ الوقيعة العدوانية الأولى، التي تعرَّض لها أحدُ ابنيْ (آدم) u للقتل .. والحادثة الشيطانيَّة الآدميَّة التي ابْتُلِيَ بِها (آدم) في الجنة، وما يواجهه الإنسانُ من مشكلات كوارث البيئة، وتحدِّيات الطبيعة، وظلم الرِّجالِ في الحياة العامة المتمثل في سوء الممارسات السياسية، وآفة التخطيطات الإداريَّة. وأنَّ عوامل تغيير هذا النمط الفطري مرهونةٌ بمقدِّماتٍ، وموكَّلةٌ بمسبِّباتٍ ليس بينها وبين الإنسان حاجب يحجبه، ولا مانع يمنعه ... ففي هذا السياق، يكون المستعربُ - من هذه الناحية - واحدًا من أولئك الأفراد بحكم إنسانيَّته وانتمائه إلى الجنس البشري الذي قال عنه صانعه عزَّ وجلَّ: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}[1] فخلقه في كبدٍ صنعَةٌ إلهيَّةٌ وحقيقةٌ طبيعيةٌ أراد الله بِها تعويدَ الإنسان على مواجهة مشاكله، وليس هذا فحسب بل لِيَتَغَلَّبَ عليها بأسسٍ إيمانيةٍ راسخةٍ، وطرق علمية صافيةٍ، وسبل عملية واسعةٍ؛ مصداقًا لقوله تعالى: {والعَصْرِ (1) إِنَّ الْإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ(3)}[2]
وعلى صعيد إشكاليات التصنيع فالأمر فيه واضحٌ؛ وذلك - كما أشرت إليه في محاضرة ألقيتها في السنة الماضية - أنَّ محاولاتِ صانعي سياساتنا من داخل بلادنا وخارجها تعكس العدَّةَ الفكريَّةَ ومعدَّاتِ الحياة المادِّيَّة التي يَحيَا ويعيش من خلالِها المستعرب – إذا تبنَّيْنا واعتمدنا على أنَّ الإنسان  ككائنٍ حيٍّ، يعيش بناءً على استعداداته العلمية وتجاربه العملية تحت ظل أنظمة متعاقبةٍ، كنظام العالم الجديد (mondialisation) la– الذي نعيش تحت سمائه الآن. ولماذا ذلك حقيقةً؟
فالجواب هو: أنَّ الظواهر المصطنعة التي تغطي حياتنا، بهيئاتها الإعلامية، والتربوية، والإغاثية، هي عبارة عن: آليات وأدوات تعمل بفاعليَّة مفرطة لتفسد دِيننا الذي هو عصمة أمرنا، والذي يعقبه – بحكم المنطق – فساد دنيانا وآخرتنا!! كظاهرة التغريب مثلا؛ التي أصبحت اليوم أهمَّ المسائل الحساسة لدى الغرب، لتضعيف القوة الخارجية للأمة الإسلامية، ومفهوم التغريب - بطبيعة الحال - هو: "طبعُ الدُّولِ الإسلاميَّة بطابع الحضارةِ الغربيَّة في: العاداتِ والقيم من أجل ابتعادها عن شريعتها وتراثها الحضاري"[3]  
والواقع أنَّ الْمُعَرْقِلَ الوحيدَ الذي يقف دون تحقيق هذا الهدف التغريبي، هو ذلك الإقبال المكثف والانفتاح الكبير (للثقافة العربية) تعليمًا وتعلُّمًا في جلِّ البلاد الإفريقية والآسيوية؛ الأمر الذي أدَّى بالْمُتَرَبِّعينَ على عرش السيادة والقيادة التنصيرية المدعَّمين من قبل الحكومة والسلطة الدينية الفاتيكانية إلى توجيه هجمات شرسة لقطع الصلة بين المسلمين وتعلُّم اللغة العربية وتعليمها، وذلك من خلال حملات استهدافٍ قويةٍ، وضربات متتالية في حاضرتِها، فيما بين حرب التغريب من قبل الأعداء من ناحية، وحال تجاهلٍ وعقوقٍ من بعض أبنائها من ناحية أخرى؛ لينعكس ذلك سلبًا على المستعرب الدخيلِ في مجتمعه، والمجهولِ في المجتمعات العربية بحكم لونه ولسانه، والْمُحَذَّر منه في المجتمع الغربيِّ بناءً على ما يتوقَّع منه من قيامٍ بأعمال إرهابيّة بحكم أيديولوجيته حسب تصوُّرات الفكر الغربيِّ السائد.
وأخيرًا، فإنَّ الحلَّ موجودٌ، والقدرةَ كافيةٌ!! فيا أخي (المتشائم) بشائعاتِ أشباهِ الرجال الذين يداوون الزكام بالجذام، لا أطلب منك إلا ما قال لي أحدُ إخواني المخلصين: ألا وهو القيام بما قام به الناجحون المتفائلون - بغضِّ النظر عن نوعِ ما تلقَّوْهُ من ثقافة أو لغةٍ - وأن تنظر إلى المستقبل متفائلا؛ لأنَّ المشاكل ستزول بِحولِ مَنْ إذا قال في أمره كُنْ كانَ (الله سبحانه وتعالى)! واجتهد في الدراسة فإنَّها مفتاحُ كل تفاؤلٍ، وعلاج كلِّ تشاؤمٍ، ولا تَسْتَمِعَنَّ أبدًا إلى تلك الأقاويل التي يشيعها الطلاب فيما بينهم، والمتعلقة بعدم جدوى الدراسة العربية، لأنَّها أفكارٌ غير صائبة، فكم من أشخاصٍ تعلَّموا في بلاد الغرب (بأمريكا وفرنسا) بل وفي دولتك من أقربائك وزملائك، وهم مع تمكنهم في تلك اللغات الغربية عاطلون عن العمل ومع كثرتِهم الفائقة مُبَدَّدُونَ، فاللغة ليست - في حد ذاتِها - عائقًا للبطالة، بدليل وجود تلك الكثرة الكاثرة، وذلك الكمِّ الهائل - في صفوف المستعربين وزمرة حملة الثقافات والشهادات العربيِّةِ - ممِّن استقدمتهم المؤسسات الكبرى، ووظفتهم المنظمات العظمى بقطاعاتِها الخاصَّةِ والعامَّةِ، وسوف تطول القائمة إذا أردنا تسجيل أسماء بعضهم! فواصل المسيرة، ولا تفكِّر فيما لم يقع بعد؛ فإن وقع ربنا سيسهِّل، واصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل فستأتيك الدنيا بحذافيرها، وكن متوكِّلا ولا تكن متواكلا! ولكن - كما قال تعالى -: {فَإذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ}[4] صدق الله العظيم.

إعداد الباحث/ محمد فؤاد سانو
قسم الدراسات العليا - شعبة الدعوة والحضارة.




[1] - سورة البلد، آية: 4.
[2] - سورة العصر، آيات: 1-3.
[3] - مباحث عامة في الثقافة والفكر الإسلامي، د. محمد عز الدين الغرياني
[4]- سورة الأحقاف، آية:35.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق