مرحبا بك في موقع صحافة بلا حدود

* الذكريات الخالدة، عن الأيامات الخالية، بين أهالي الزاوية *

  مقدّمة: 
من فضل الله على المسلمين أن جعل الأخوة الدينية بينهم من أكبر وسائل التّحابب والتّراحم، والشّعور بآلام الآخرين، والسعي الجاد ليشمل الخير والنفع أفراد المجتمع، والذي يتمثّل جليّا في قول المصطفى ":eمثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر" ((حديث شريف)).

رحلة طارئة: مساء يوم، ونحن في تساؤلاتنا المتحيّرة، ماذا يكون مصيرنا وسط هذه العاصفة من المخاوف؟ بين أصوات البنادق المرهبة، ونشرات الإعلام المفزعة؟ ستستمرّ الكلّية فننتظر؟ أم لا يرتجى ذلك فنرتحل؟ و؟ و؟ و؟...   وبينما نحن كذلك، إذ لاح في الأفق بشرى رحلة إلى مهبط الكرماء، ومنزل الصلحاء، وما أدراك ما هو؟  ذاك"الزاوية".
فشددنا الرّحيل للترحال، واستصحبنا الزّاد والمزيد، وودّعنا مباني الكلّية وساكنيها، ولسان حالنا يقول: كما قال e حين مغادرته لمكة: مكة أنت أحب بلدة إليّ ولولا أنّ قومي أجبروني على الخروج ما خرجت" ونردّد قوله ـ تعالى ـ }إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد{ ونحن نأمل في الإياب بعد الذهاب.
مدينة "الزاوية": وما أدراك ما هيه؟ لما سارت بركابنا الحافلات، واستأنسنا خلاله بالتّمنّيات، واستمتعنا بالمناظر الطبيعيات، انتهى بنا المطاف إلى دار الكرامات، مدينة "الزاوية"، حدّث عن كرم أهلها بلا حرج، لعمرك نعم المضيف أهلها، والمستضاف مدينتها. فحططنا بها رحيلنا، فأنسونا ـ بحن معاملتهم ـ عناء ما تحمّلنا.                                قوم صدق فيهم قول الشاعر:
قَوْمٌ عَزِيزٌ جَارُهُمْ لَكِنَّهُ *** يَسْلُو بِهِمْ عَنْ وَالِدَيْنِ وَمَوْلِدِ.
ضيافتنا في "الزاوية": نزلنا ضيوفا في "الزاوية" في ثلاثة مواقع، لا تقلّ المسافة فيما بينها عن مسير ساعة للمترجّل. وهي: مسجد" أبو السباع". مسجد" سيّدي قاسم". بيت الشباب. تلكم أماكن مسجّلة أيّامها بماء الذّهب في سجلّ ذكرياتنا، وألواح أذهاننا.
رحلة تذكارية إلى مدينة" صبراتة": أقمنا في أهل "الزاوية" من الزمان أمدا، يسود الجوّ خالص الأخوّة، والمحبّة المتبادلة، فلمّا آنسوا منّا ـ لطول المقام ـ مللا، أسرّوا بينهم النّجوى، ولم يبدوا لنا قولا.
وفي ذات ليلة بعد صلاة العِشَاءِ، ونحن نتابع ـ بِنَهَمٍ ـ لُقْمَاتِ العَشَاءِ، في مبنى بجوار مسجد " سيّدي قاسم" إن شئت سميته " مسجد قباء" بدون إِخْطَاءٍ. نادى فينا مناد أن اسمعوا وأصغوا: ترحلون صباح غد ـ بمشيئة الله ـ في رحلة إلى مدينة "صبراتة: فاصفرّت الوجوه من الفرح، واستطلنا الفترة بين العشاء والصبح.

مدينة "صبراتة": بعدما أدبر الليل مودّعا، وأقبل النّهار لأبوابنا قارعا، شددنا  ـ في طرب ـ للرّحيل للمسير، وانتهى بنا التّجوال إلى "صبراتة". تلك المدينة التاريخية العتيقة، مدينة بناها الرّومان بثلاثة قرون قبل الميلاد، بشهادة رجال من أهلها، }ولا ينبئك مثل خبير{. مدينة ذات مباني عالية، ومناظر رائعة، حدّث عن كرم أهلها ولا حرج، نعم المضيفون أهلُها، والمستضاف مدينتُها. فأكثرنا من الاستمتاع بالسياحة والسباحة، وتبادلنا المعارف في ثقافةٍ ليس فيها سخافةٌ. وقضينا النّهار في بحبوحةٍ وسلامةٍ. ولمّا كانت كلّ لذّةٍ مسيرها النّهاية، نادى فينا مساءً منادٍ: أن جهزوا أنفسكم للمغادرة. فودّعنا المدينة وأهاليها، بعد ما أقرنا لهم بحسن الجوار، وكرم الضيافة.
العودة إلى الكلّية الحبيبة: بعدما قضينا شهرا إلّا قليلا، ونحن في العزلة، وقد تطلّعت النفوس إلى العودة. صادف هدوء عواصف النزاعات، وسيادة جوّ الاطمئنان والقرار، جعل الله لنا بعد العسر يسرًا، وبعد تحمّل المشقّات فَرَجًا، أتانا نبأ العودة إلى الكلّية، فاستقبلناه بصدور رحبة، بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منّا، وييأس من العودة.        
هذه خلاصة بقايا ذكرياتي لمقامنا في "الزاوية".                                                        
فإن كانت ثمّة عبرة تستنبط منها: فهي أنّ بعد العسر يجلب اليسر،} فإنّ مع العسر يسرا{.  وأنّ الأخوّة الإسلامية عزّ نظيرها. أخوة أساسها التّعاون والتّحابب في الله، لا لمنافع الدنيا الفانية.


الكاتب / كونى آدم في الدراسات العليا(المرحلة التّمهيدية)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق