مرحبا بك في موقع صحافة بلا حدود

الأخلاق الحميدة وطرق اكتسابها


يقول الله تبارك وتعالى {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (الشمس 7-10 ، ويقول في سورة يوسف (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (آية ـ53) آيات واضحة وبينة تكشف لنا حقيقة النفس البشرية التي ألهمها الله فجورها وتقواها، والتي قد تتعرض لأحوال مختلفة وأمراض خطيرة تكون عائقا في سلوك النهج الصحيح والقويم في الحياة الدنيا، وتخسر بذلك الأخرى، ومن أجل ذلك، اهتم الإسلام بالنفس وحث على تحليتها بالأخلاق الحسنة وتخليتها عن الأخلاق السيئة التي تبعدها عن الله سبحانه وتعالى وعن رحمته، وجعل يصحح شذوذ النفس ويضيء أمامها الطريق لتعرف عيوبها فتتخلى عنها وتسلك النهج الذي يوصلها إلى كمالها، وكمالها يكون بالاتصاف بالأخلاق الحميدة، لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ومكارم الأخلاق تتمثل في معاملة الإنسان الحسنة لكل ما يحيط به، وأهمها مع إخوته من البشر، بما فيها من صدق ووفاء وكرم وسخاء وصبر وشجاعة إلى غير ذلك من الأخلاق، وهذه الخصال الحميدة  تقابلها الأخلاق السيئة المذموم فاعلها من كذب وخيانة وغدر وبخل إلى غير ذلك، وهي صفات مقتها الشرع ودعا إلى تجنبها والابتعاد عنها مهما كلف الأمر، فهناك آيات وأحاديث عديدة تناولت الجانب الأخلاقي وطريقة معالجة السيئ منها. وبهذا تظهر أهمية معرفة الإنسان عيوب نفسه؛ لأنها الخطوة الأولى في سلّم الصعود إلى مكارم الأخلاق، فبمعرفة الداء يسهل الدواء. 
والإسلام في تعاليمه يحتوي جانبين أساسيين هما الإيمان والعمل ويتطلب فيهما الإحسان ومراقبة الله سبحانه في كل لحظة، كما ورد في الحديث الذي جاء فيه جبريل ليعلم الناس دينهم ، ويكتسب من خلال ذلك الأخلاق الحسنة التي يحبها الله ويبتعد عن الأخرى التي وردت في القرآن بصورة واضحة أن الله لا يحبها. فمنها أن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ، ولا يحب من كان مختالا فخورا ، ولا يحب الفرحين ، ولا يحب الجهر بالسوء من القول، ولا يحب المعتدين ، ولا يحب المسرفين، ولا يحب الخائنين ولا يحب المستكبرين ، إلى غير ذلك.
 لكن كيف الطريق إلى إصلاح هذه النفس ومعالجة هذه الأخلاق التي لا يحبها الله ؟ فإذا أراد الإنسان أن يعرف عيوب نفسه ليتخلص منها ، عليه مراقبة نفسه بدوام، ويداوم على ذكر الله لأنه ينير له سبل معرفتها .
 وهناك طرق أخرى أشار إليها حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه الأحياء بقوله"اعلم أن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيراً بصره بعيوب نفسه، فمن كانت بصيرته نافذة لم تخف عليه عيوبه، فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج، ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه. فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق:
 الأول: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس مطلع على خفايا الآفات ويحكمه في نفسه ويتبع إشارته في مجاهدته....
الثاني: أن يطلب صديقاً صدوقاً بصيراً متديناً فينصبه رقيباً على نفسه ليلاحظ أحوالها وأفعاله، فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه الباطنة الظاهرة ينبهه عليه. فهكذا كان يفعل الأكياس والأكابر من أئمة الدين....
الطريق الثالث: أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه فإن عين السخط تبدي المساويا. ولعل انتفاع الإنسان بعدو مشاحن يذكره عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يثني عليه ويمدحه ويخفي عنه عيوبه، إلا أن الطبع مجبول على تكذيب العدو وحمل ما يقوله على الحسد، ولكن البصير لا يخلو عن الانتفاع بقول أعدائه فإن مساويه لا بد وأن تنتشر على ألسنتهم.
الطريق الرابع: أن يخالط الناس فكل ما رآه مذموماً فيما بين الخلق فليطالب نفسه به وينسبها إليه، فإن المؤمن مرآة المؤمن، فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه ويعلم أن الطباع متقاربة في اتباع الهوى. فما يتصف به واحد من الأقران لا ينفك القرن الآخر عن أصله أو عن أعظم منه أو عن شيء منه، فليتفقد نفسه ويطهرها من كل ما يذمه من غيره وناهيك بهذا تأديباً، فلو ترك الناس كلهم ما يكرهونه من غيرهم لاستغنوا عن المؤدب...."
وعلى الإنسان  أن يبدل مكان كل صفة غير حميدة الصفات الحسنة ، وبهذا قد يستطيع الإنسان أن يتخلى عن بعض صفاته الغير محمودة ، فينتقل بنفسه الأمارة بالسوء إلى نفس لوامة ، ويسير بها إلى أن تكون مطمئنة لله ولأمره، وراضية بقسمته وبقضائه وقدره، وتقشعر عند ذكره، فيدخل في قائمة عباد الرحمن. (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى . ..(وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)

إعداد: المحرر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق