مرحبا بك في موقع صحافة بلا حدود

الحسد والمنافسة


أنور الحق ثاقب


الحسد خلق ذميم، مع إضراره بالبدن وفساده للدين، حتى لقد أمر الله بالاستعاذة من شره، فقال تعالى: {ومن شر حاسد إذا حسد}. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {دب إليكم داء الأمم قبلكم؛ البغضاء والحسد، هي الحالقة؛ حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا؛ ألا أنبئكم بأمر إذا فعلتموه تحاببتم، افشوا السلام بينكم}
فأخبر صلى الله عليه وسلم بحال الحسد وأن التحابب ينفيه وأن السلام يبعث على التحابب، فصار السلام إذًا نافيا للحسد.
وقد جاء كتاب الله تعالى بما يوافق هذا القول وقال الله تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} قال مجاهد: معناه ادفع بالسلام إساءة المسيء .
وقال بعض السلف: الحسد أول ذنب عصي الله به في السماء، يعني حسد إبليس لآدم عليه السلام، وأول ذنب عصي الله به في الأرض، يعني حسد ابن آدم لأخيه حتى قتله.
وقال بعض الحكماء : من رضي بقضاء الله تعالى لم يسخطه أحد، ومن قنع بعطائه لم يدخله حسد .
وقال بعض البلغاء: الناس حاسد ومحسود، ولكل نعمة حسود.
وقد قال معاوية رضي الله عنه: "ليس في خصال الشر أعدل من الحسد، يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود".
وقال بعض الحكماء : يكفيك من الحاسد أنه يغتم في وقت سرورك.
وقال الأصمعي: قلت لأعرابي: ما أطول عمرك؟ قال: تركت الحسد فبقيت.
وقال رجل لشريح القاضي : إني لأحسدك على ما أرى من صبرك على الخصوم، ووقوفك على غامض الحكم .
فقال : ما نفعك الله بذلك ولا ضرني .
وقال عبد الله بن المعتز: "اصبر على كيد الحسو د فإن صبرك قاتله، فالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله".
وحقيقة الحسد شدة الأسى على الخيرات تكون للناس الأفاضل وهو غير المنافسة، فالمنافسة طلب التشبه بالأفاضل من غير إدخال ضرر عليهم.
الحسد مصروف إلى الضرر؛ لأن غايته أن يعدم الأفاضل فضلهم، من غير أن يصير الفضل له، فهذا الفرق بين المنافسة والحسد.
فالمنافسة إذا فضيلة؛ لأنها داعية إلى اكتساب الفضائل والاقتداء بأخيار الأفاضل.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : {المؤمن يغبط والمنافق يحسد.}
والحسود من الهم كساقي السم ، فإن سرى سمه زال عنه غمه. وبحسب فضل الإنسان وظهور النعمة عليه يكون حسد الناس له .فإن كثر فضله كثر حساده ، وإن قل قلوا؛ لأن ظهور الفضل يثير الحسد، وحدوث النعمة يضاعف الكمد .
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : { استعينوا على قضاء الحوائج بسترها؛ فإن كل ذي نعمة محسود}
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما كانت نعمة الله على أحد إلا وجد لها حاسدا".
وقال أبو تمام الطائي:
وإذا أراد الله نشر فضيلة           طويت أتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت     ما كان يعرف طيب عرف العود
لولا التخوف للعواقب لم يزل      للحاسد النعمى على المحسود
فنسأل الله سلامة من الحسد؛ لأنه داء الجسد، ويأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق